الدكتور حسام الشاذلي يكتب…الرئيس المصري في مائة يوم

الرئيس المصري في 100 يوم ….
تتسابق الأيام لكي تقترب المائة يوم الأولي من ولاية أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر والعالم العربي  علي الإنتهاء , أول رئيس يختاره المصريون من خلال انتخابات حرةٍ نزيهة وبعد ثورة ضحي فيها الشعب المصري بخيرة شبابه من أجل أن يرسم  وجه مصر الجديد , مصر العدلُ والحريات والديمقراطية ,
فهل نجح مرسي في وضع حجرِ الأساسِ لهذه الديمقراطيةِ الوليدة  وكيف يمكنُ تقييم المائة يومٍ الأولي من حكمه  , كيف يراه العالم وكيف يري مصر في ظلِ حكمه , هل تنبئ سياساته بإمكانية عبور الأزمة الإقتصادية  وهل كان وصول أحد أبرزَ قيادات الإخوان المسلمين للحكم في مصر هو نقمةٌ أم حكمة  قد تغير شكل المنطقة وتاريخها الحديث والمعاصر ,
هذه هي المحاور التي سنتعرض لها بالتحليل والتمحيص في هذا المقال التحليلي , محاولين أن نلقي الضوءَ
علي المائة يومٍ الأولي من صناعة مصر الجديدة , و لكي نتمكن من أن  نستعرض هذه الفترة ونقيم أداء الرئيس المصري بصورةٍ علميةٍ وواقعية فسوف نبني هذا التقييم علي محاور ثلاثْ هي أداء الرئيس والحكومة المصرية علي المستوي المحلي , والإقليمي والدولي , ثم نتعرض بعد ذلك لمحاور النقد والتحليل الموضوعي لفترة المائة يومٍ الأولي من حكمه ,
 
أما علي المستوي المحلي فقد كان تمكن مرسي من إحداث طفرةٍ أقل ما تذكر به أنها تاريخية ,  حيث أنهي و بصورةٍ فعلية الحكم العسكري لمصر و الذي سيطر علي البلاد لعقودٍ طويلة بعد ثورة يوليو ووضع مصر لأول مرةٍ علي أبواب حكمٍ مدني كامل  كان له أكبر الأثر في إستقبال العالم بكل ترحابٍ للديمقراطية الجديدة الوليدة في منطقة الشرق الاوسط , فأكثر ما أرق العالم الديقراطي من قادة الشرق الأوسط هو عدم إمكانية توفر الثقة الحقيقية فيهم والعقيدة الراسخة بأنهم يقدمون للعالم صوراً مغلوطة عن تطور منظومات الديمقراطية والحريات والعدالة في بلادهم , ولهذا لجأ العالم دائما لمنظمات دولية متعددة و محايدة وبعيدة عن سيطرةِ حكام هذه المنطقة لكي يقيم تطور منظومات الحريات والديمقراطية والعدالة فيها علي مدي عقودٍ طويلة , ومن أهم اسباب فقدان هذا التواصل مع العالم المتحضر وتأصيل مفهوم المراوغة وعدم المصداقية هو سيطرة العسكرعلي الحكم في أغلب الديكتاتوريات الموجودة في المنطقة وخاصة مصر , وذلك لأن العالم المتحضر قد ودع حكم العسكر منذ أمد بعيد إبانَ الحرب العالميةِ الثانية أو قبلها وأعتبر النموذج العسكري هو سببٌ رئيسيٌ في المأساة التي عاني منها العالم آن ذاك ,


أما الحكومة الأولي في عهد مرسي والتي يدير دفتها هشام قنديل فقد قدمت لمصر نموذجاً لم تعهده من الأداءِ الحكومي الواعي والقادرِ علي التغيير , وهي في صورتها العامة تحقق تقدماً ملموسًا في شتي المجالات وخاصةً المرتبطة بدعم الاقتصاد وتحقيق طفرةٍ ملحوظة في الأداء النزيه ومحاربةُ الفساد وهي محاور مرتبطة بشكل اساسي بقواعد إنتقاء الوزراء في  الوزارة الجديدة والتي رأسها وزيرٌ للري والثروة المائية لم يكن متوقعا توليه هذا المنصب , والذي هو نفسه يعكس قدوة الأداء النزيه والمتفاني في خدمة البلاد و هذه المو اصفات في المنظومة الوزارية تمثلُ أحد أهم أركان الحكم الديمقراطي لمصر الجديدة , ولكن الوزارة كغيرها من هيئات الديمقراطية الوليدة  , تفتقرُ وبصورةٍ واضحة لآليات الشفافية والتواصل الفاعل مع الشارع وهي من أهم عوامل بناء منظومات الحكم الديمقراطي الحديث , وقد يكون مرجعُ هذا الي ظروف تشكيل الوزارة في حينها وكونها أتت في وقت كان للعسكر يدٌ مؤثرةٌ علي مجريات الأمور ,

ويبدو أن نفس المعايير والآليات بل و نفس  المستشاريين كان لهم دورٌ فاعل في مساعدة الرئيس علي اعادة هيكلة مجلس المحافظين والذي إحتوي علي أسماءٍ كثيرة لم تكن معروفة للعامة أو الخاصة أو حتي المحللين والمتخصصين , وهنا يجب أن نشير إلي أن عدم إشتهارِ الأشخاص المعينين يجب أن يأخذ علي كونه ميزةٌ وليس عيباً هيكلياً ,  ففي دولة أطاحت ثورتها بنظامِ حكمٍ بائدٍ أغلب معروفيها تجدهم وراء القضبان أو في ملفٍ أمام النائب العام أوهاربٍ الي غير رجعة , فيجب أن نعي أن بناء جيلٍ جديد من السلطة التنفيذية يمكنه أن يخدم دولة العدل والحريات يحملُ معه الكثير من الأسماء التي لم نعرفها من قبلْ بصورةٍ جلية وهذه أحد أهم مميزات المنظومة الديمقراطية الجديدة  والتي تكفل لكل مواطن كاملَ الحق في أن يحلمَ ويخطط لكي يصل لأعلي المناصب وأهمها في الدولة وعلي رأسها منصبُ رئيس الجمهورية ,

  ولكن هل يعني هذا أن إختيار تشكيل المحافظين والوزارة كان مثالياً وكاملَ الأوصاف , بالطبع لا , فلا يمكن أن يحدث هذا في أي منظومة ديمقراطية حديثة , فحتي الديمقراطية لها عيوبها التي يقفُ عندها الخبراء , فما بالك بديمقراطيةٍ تحبوا أولي خطواتها علي بوابةِ قصرٍ ملأ الفساد ارجاؤه ووقف الديانةُ ببابه وضاق سكانه بحاجاتهم و لا ينفك الطامعونَ يتحينون الفرصة لينهبوه , 
ولهذا فأنني و إن كنت آخذُ علي القيادة السياسية إنتهاجَ معيار النزاهة فقط لإعادة هيكلةِ السلطات , فانني أتفهم أن القضاءَ علي الفساد في دولة مثل مصر سيأتي بثمار الرخاء والازدهار بسرعةٍ قد يستعجبها المراقبون وليست تجربة تركيا ببعيدةٍ عنا ,

و إن كنا نتعرض هنا بالتحليل لمحاورَ ومفاهيم إستراتيجية تأصل لبناء الدولة الجديدة فأداء الرئيس والحكومة والمحافظين هو من أهم أدوات  النهضة , وأساسيات بناء دولة الرخاء والعدل علي المدي الطويل ,  ففي الحين ذاته يبدوا ظاهراً للعيان أن هناك إنجازاتٌ واضحة فيما يتعلق باستقرار الأمن والقضاءِ علي ظاهرة البلطجة والعلاقة بين رجل الشرطة والمواطن , أضف الي هذا إعادة هيكلة السلطة القضائية , وتوفير الوقود, والبدأ في مشروع الخبز والوصول لمعدلات مرضية فيما يختصُ بالكهرباء والطاقة , و إحداثُ طفرةٍ حقيقيةٍ في مستويات البورصة وفي التقيم الدولي للبنوكِ المصرية والبدأ في مشاريعَ عملاقة من كونها ان تساهمَ في حل مشكلات البطالة ورفع مستوي المواطن كمشروع مصنع سامسونج ببني سويف والمنطقة اللوجيستية العملاقة بمنطقة قناة السويس وغيرها ,

وإن كان أداء الرئيس علي المستوي المحلي يؤكد نجاحه في وضع حجر الأساس لمنظومة داخلية مثمرة فإن أداؤه علي المستويين الإقليمي والدولي كان مبهرا للعالمِ أجمع , فقدرةُ الرئيس محمد مرسي علي إستعادة دور مصرَ الرائد علي المستويين العربي والافريقي , وقدرته علي التعامل مع مشكلة المياه المعقدة بصورةٍ مرضية وإستعادة البعد الاستراتيجي لمصر في افريقيا , وفي نفس الوقت إحياءِ الدور المصري الرائد علي المستوي العربي وتصدرْ مصر لمبادرات حل المشكلة السورية ودعم الروابط المصرية الخليجية مع فتح باب العلاقات المتوازنة مع إيران في ظل  ضمان أمن الخليج , يعزز ذلك علاقاتٍ اقتصاديةٍ قوية مع المملكة العربية السعودية ودولة قطر , إضافةً الي إعادة علاقات البعد الجغرافي والتاريخي الهامة مع السودان و الحفاظُ علي علاقاتٍ متميزة مع دول الربيع العربي مع ظهور تركيا كحليفٍ أساسي لمصر في المنطقة , كل هذا علي إجمالهِ هو انجاز أقل ما يوصف به أنه مبهرْ وبناء و يؤكد  أن مصر في عهد مرسي ستمثلُ طفرةً حقيقيةً في المنطقة كأول ديمقراطية عربية يمكنها أن تحدثَ مثل هذا التأثير في فترةٍ قصيرةٍجداً ,

أما علي المستوي الدولي , فإمكانية الحفاظ علي البعد الإستراتيجي للعلاقات المصرية الإمريكية مع فتح بوابة الصين علي مصراعيها وبناء جسورٍ إقتصاديةٍ وسياسية هامة مع المجموعة الأوروبية واليابان والتعاملُ بحرفيةٍ سياسية مع أزمة الفيلم المسيء والسفارات الأمريكية والتأصيل لعلاقاتٍ إستثماريةٍ فاعلة مع ايطاليا , وتقديم مصر للعالم من خلال إجتماع  الجمعية العامة للأمم المتحدة كدولةٍ ديمقراطيةٍ قويةٍ و فاعلة وكلاعبٍ أساسيٍ في السياسة الدولية  , الامر الذي علق عليه جميع المحللون الدوليون بإنبهار وإن كان تعليق أحدهم قائلا بأنه “يمكن القول اخيرا بان مصر قد عادت من جديد ” , هو دليلٌ واضحٌ علي إمكانيات فائقة لرئيسٍ منتخب  وقدراتٍ سيقف المحللون والمتخصصون طويلا أمامها وأنا منهم , فكيف يمكنُ لرئيسِ دولةٍ ديمقراطيةٍ وليدة قامت علي أنقاضِ نظامٍ فاسد نهب الأرض والزرع وجرف العقول والأموال وأسس لحكم الفرد وعلاقات المنفعة , كيف يمكن لرئيس دولة قامت علي أنقاض ثورة ودماء شهداء  , وحمل في أول ولايةٍ له تناقضاتٍ كثيرة حُرم فيها من الإستعانة بحزبه الذي وضع برنامج إنتخابهِ ومشروعه , وقدم تضحياتٍ سياسيةٍ كثيرة فيما يختص بإبعادهِ  عن كثير من القامات المؤثرة بجماعةٍ إنتمي اليها وتربي في كنفها وإعتقلَ مع رموزها وزامل برلمَانيها مسيرةَ الكفاحِ السياسيِ الطويلة , كيف يمكنُ لرئيسٍ حُمل كلُ هذا أن يجمعَ بين إنجازاتِ الداخل والخارج في مائةِ يوم ,

 إن اكبر ديمقراطيات العالم تفشلَ أحياناً في تحقيق هذه المعادلة الصعبة وقد رأينا جميعا أنه عندما إختار أوباما ان يركزَ علي الجبهةِ الداخلية وعلي الإصلاح الاقتصادي لم ينجوَ من وصفه بالغيرِ قادر أحياناً فيما يتعلق  بادرة المنظومة  الخارجية , والآن نراه وهو علي أبوابِ انتخابات جديدة  تُشير أغلب مؤشراتها إلي  فوزه برغم عدم إكتمال نصف ما وعد به في برنامجه الانتخابي  من إنجازات علي الصعيدين الداخلي والخارجي  , والتجربة التركية الصديقة خير مثال آخر  فقد شهد رائدها بأن ما حققه مرسي في شهورٍ قليلة فاق ما حققته تجربة تركيا في أعوام ,

 وهنا وجب القول بأن اكثر ما يتعرض له  الدكتور مرسي من إنتقادات داخلية تُبني في أغلب حالتها علي موقفٍ مسبق من جماعة الاخوان المسلمين التي كان ينتمي لها مسبقا ,  أو علي عداوةً للفكرة الاسلامية برمتها , أو موقفٍ سياسي يُعلي المصلحةَ الحزبيةَ أوالخاصة علي المصلحة العامة , وهذه الإنتقادات في غالبها  تفتقدُ للموضوعية أو للمرجعية العلميةِ أو البحثية والتي تتطلب الوقوف بحياديةٍ متناهية والتأصيل لآلياتٍ تضمنُ عدم الإنجراف وراء فكرٍ واحد أو تبني إتجاهٍ بعينه , ويأملُ الكاتب بأنه مع تطور المنظومة الديمقراطية للحكم في مصر سيختفي هذا النوع من النقد الهدام ليحل محله نقدٌ بناء يحلل مجريات الأمور وينتقد آلاياتِ التنفيذ وإستراتيجيات التغيير ويقدم الحلول ويشارك في البناء ويحارب الفساد ويأصل لمفاهيم الاختلاف المتقدمة والهادفة ,
 وهنا  أؤكد أن للقيادة السياسية دور أساسي في خلق هذا النوع من النقد ودعمه من أجل بناء منظومةٍ ديمقراطيةٍ حرة  وواعية , فمازلنا نفتقُد لقدراتٍ هامة في إدارة المشهد السياسي والتواصل الجماهيري في مراحل ما قبلَ الحدثِ وتطوره , وحشد العقل الجماعي للأمة وراء الهدف السياسي المحدد ,  إضافة إلي معايير الشفافية الكاملة والغير مرتبطة بوقت أو جهة والتي تجعل  الشارع والقوي السياسية والمواطن جزءلا يتجزأ  من التغيير الايجابي المطلوب في هذه المرحلة, إن ما حققه الرئيسُ المصري في هذه الفتره هو ما يجعلنا نتطلع الي إكتمالِ المنظومة وتوفر  المسببات وخلقِ الظروف الموائمة للتغيير المستديم , فقد باتَ الحُلم حقيقة , وإن مصر لعلي ابوابِ مرحلةٍ جديدة سيشهد لها العالم أجمع بدور فاعل وبناء ,  كديمقراطيةٍ قويةٍ تساهمُ في بناء مستقبلٍ أفضل للبشريةِ ولبني الانسان


الدكتور حسام الشاذلي هو المستشار السياسي و الخبير الدولي في علم إدارة التغيير , وعضو الهيئة التنسيقية للقوي الوطنية بالاسكندرية , و هو الرئيس التنفيذي الحالي لمؤسسه كاميردج للاستشارات الدوليه بسويسرا ,  العميد السابق للدراسات الابداعيه بكليه كامبيردج , واستشاري اول بمجموعه كاميردج للاستشارات الاستراتيجيه بسويسرا, وهو مستشار وكيل جامعه حائل السابق  والعميد المساعد للتخطيط الاستراتيجي والتنميه ومؤسس مركز التخطيط الستراتيجي والتنميه السابق بحائل بالمملكه العربيه السعوديه,  و هو زميل الجمعيه الملكيه الطبيه البيرطانيه , وزميل الهيئه العلميه للتسويق بجامعه ميامي بالولايات المتحده  و استاذ ادارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي بجامعات سويسرا , , وقد عمل الدكتور الشاذلي كاستشاري رفيع المستوي للعديد من الهيئات العالميه والحكوميه باوروبا والشرق الاوسط, تتركز كتاباته وابحاثه العلميه علي تطوير مبادئ اداره التغيير, الابداع المتكامل , بناء الشخصيه الابداعيه وتطوير النظم السياسية , يمكن التواصل مع الدكتور الشاذلي من خلال البريد الالكتروني: helshazly70@gmail.com

Comments

Recent Articles

Messenger of Judgement Day _ رسول يوم القيامة _ الدكتور حسام الشاذلي

Economy and Elections in Turkey: The Invisible Hands by Hossam ElShazly

جيم أوفر - Game Over - بقلم الدكتور حسام الشاذلي المستشار السياسي والاقتصادي الدولي