حرية العبيد في زمن العسكر .... بقلم الدكتور حسام الشاذلي


......حرية العبيد في زمن العسكر 


......بقلم الدكتور حسام الشاذلي 



لقد عدت بذهني إلي تلك الأيام بعد عزل المخلوع مبارك وبعد تولي المجلس العسكري لشئون البلاد عندما كنت أؤكد في مقابلاتي التليفزيونية أن أشد ما أخشي علي مصر منه هو ما أسميته ' الديمقراطية الموجهة' آنذاك وهو نوع من الديمقراطيات أخطر ما فيه أنه لا يمكن التخلص منه ولا حتي بالثورات فهي ديمقراطية محكومة بإختيارات يحركها من يتحكم بالمشهد ، فأنت تذهب لننتخب ولكن من ضمن مجموعة إختياراتنا فرضت عليك بسبب شروط مجحفة منعت غيرها من المساهمة في العملية السياسية برمتها ،

وهنا أستدعي شروط تكوين الأحزاب التي فرضت من مستشاري المجلس العسكري آنذاك والتي منعت أحزاب الشباب من التواجد علي الساحة بسبب التكلفة المباشرة والغير مباشرة والتي فرضت علي العملية برمتها و أصابت تلك العملية السياسية بفقر مدقع وحصرتها في مواجهة بين ما عرف أذناك بالتيار الإسلامي وبين التيار العلموليبرالي كما أحب أن أسميه فهو تيار يحمل العلمانية بكل صورها ويستتر باليبرالية في مجتمع مسلم عريق ، وكانت النتيجة أن المنظومة السياسية لم تتطور باأي حال من الأحوال ولم تستطع مواجهة الفلول والمتآمرين في الداخل والخارج حتي في ظل وجود رئيس منتخب ، 

ولقد حالفني الحظ أذناك أن أجد سفير دولة الهند منتظر لي في إستراحة أحدي القنوات التي تبث باللغة الإنجليزية والتي شاء القدر أن يجمعنا هذا اليوم سويا في صباح باكر ، وعندها قال لي لقد إنتظرتك لكي أؤكد لك أن هذا النوع من الديمقراطية الموجهة موجود فعلا ولقد عانت منه الهند علي مر عقود طويلة ، وما زلنا نحاول الخروج من خندقه ، 

ولكنني الآن وبعد أن عاصرت الإنقلاب العسكري الدموي الذي أطاح بأول تجربة ديمقراطية في مصر وأعاد للمشهد كل صور القمع والإستبداد والدولة البوليسية وقتل النساء والأطفال وتقسيم الشعب وفساد الإعلام وتغيير الوعي وإستبدال الحرية بلقمة العيش ، فأنني أجزم وبلا شك أن مصر لم تحظي حتي بديمقراطية موجهة منقوصة كما خشيت عليها ، ولكن فرض عليها حرية من نوع جديد ، حرية العبيد ، حيث لا إختيار إلا أن تعيش أو تقتل ، لا إختيار إلا أن تجوع أو تقبل بالفتات ، لا إختيار إلا أن تقبل بخدمة طبقة الأسياد ، أو تلقي في السجون ، لا إختيار إلا أن تقتل الكلمة والرأي أو يقطع لسانك وتشرد في الأرض ، إنها حرية العبيد يريد أن يفرضها إنقلاب غاشم يسانده أشباه رجال وعمم وشيوخ وحثالة إعلام مقزز بشخوصه وصوره ، عبيد لم يعرفوا للحرية الحقة مذاقا ولم يتنفسوا نسيمها العطر ، فقد سلسلوا بحياتهم الفاسدة القصيرة ولم يعرفوا أن كل من في الأرض آتيه يوم القيامة فردا ، 

ولكن يأبًي الأحرار أن إلا أن يكسروا القيد ويحرروا الأرض والعرض ولو دفعوا ثمن حريتهم من دمائهم ومن أرواحهم ولو بذلوا الغالي والنفيس ولو قدموا هالة وشهداء المنصورة ، والأطفال ونساء مجزرة الحرس ، فلا حرية إلا حرية الأحرار ، ولا عيش إلا عيش الكرامة ، فلتصبروا ولترابطوا فإن الفجر قد لاح وإن الشمس علي مرمي البصر ، فلم يعرف التاريخ قوة تقف أمام هدير الشعوب و زلزلة الميادين ونداء الأحراء ودعاء الأتقياء ودماء الشهداء ، وإن الله لمتم أمره ولو كره الكافرون ، 

الدكتور حسام الشاذلي هو المستشار السياسي والخبير الدولي في إدارة التغيير ، والرئيس التنفيذي الحالي لمجموعة سي بي آي الدولية السويسرية العملاقة ، أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي بجامعة كامبيردج المؤسسية ، وكيل مؤسسي حزب ثوار التحرير ، وعضو المكتب التنفيذي للقوي الوطنية ورئيس القسم المصري بالهيئة الدولية للمفوضيين

Comments

  1. تحليل جيد وفهم عميق للواقع المر ببلدنا ،، لذا كان المقال رائعاً ،،،،

    ReplyDelete

Post a Comment

Recent Articles

Economy and Elections in Turkey: The Invisible Hands by Hossam ElShazly

Messenger of Judgement Day _ رسول يوم القيامة _ الدكتور حسام الشاذلي

جيم أوفر - Game Over - بقلم الدكتور حسام الشاذلي المستشار السياسي والاقتصادي الدولي