'من يعرف طعم الحرية ، يمت من أجلها ' بقلم الدكتور حسام الشاذلي

'من يعرف طعم الحرية ، يمت من أجلها '
بقلم الدكتور حسام الشاذلي 

منذ أعوام بعيدة وإبان عهد المخلوع مبارك تعرضت لأول مرة لإعتداء من قوات الأمن المركزي عندما أقتحمت كليتي بسبب إعتصام بعض الطلبة أمام مكتب العميد للإعتراض علي حرمان مجموعة من زملائهم ممن ينتمون للتيار الإسلامي من الإمتحان بدون وجه حق وفقط لتنظيمهم فاعليات مساندة لفلسطين داخل الجامعة ، و رغما عن كوني لم أنتمي للجماعة فقد كنت قياديا بإتحاد الطلبة بالجامعة ووقفت لأساعد زملائي مع العديد من الطلبة في المطالبة بحقوقهم ، وسمح عميد الحزب الوطني للأمن المركزي بإقتحام الحرم الجامعي وسقطت الطالبات علي الأرض وتحطمت نوافذ قاعات المحاضرات وإحتمي الطلاب بالمعامل ووضعوا طاولات التشريح خلف الأبواب وإستعدوا بالأحماض داخل المعامل للدفاع عن الفتيات وتم إعتقال مجموعة كبيرة علي أنهم من الإخوان المسلمين رغما عن كون بعضهم من الأخوة المسيحين ، ثم أفرج عن الجميع ، وتقدمنا بإستقالة جماعية كإتحاد للطلبة رغما عن كوننا لم نكن إخوان وعين الأمن إتحادا جديدا كالعادة وهلم جرا ، 

تخرجت وأديت خدمتي العسكرية وبدأت مشروعا صغيرا وعملت لفترة قصيرة بمصر ثم جاءتني عروض للسفر فسافرت مثل العديد من زملائي ، كنت دائماً أري مصر كما هي لا أمل في ديمقراطية ولا حرية ولا طريق للحياة إلا للوساطة والنفوذ وقوة المال والرشوة، ولأنني مثل غيري كثير كانت أولي تجاربي في الدول العربية فرأيت نموذجا أكثر ترفيها وأكثر أكلا ومالا ولكن لا ديمقراطية ولا حرية ولا كلام غريب من ده ، 

ثم كان التغيير الحقيقي عندما سافرت للعمل بأوروبا فبدأت معايير الحياة تختلف وبدأ صراع التقاليد مع عادات تلك المجتمعات وقوة الدين التي تمسكت بها ما إستطعت تساعدني لأجد هذا التوازن بين مزايا هذه الحياة وهدف المسلم علي الأرض ، وهنا تفجرت أبعاد جديدة هي حلم الحرية في مصر ، حلم إحترام الإنسان وإنسانيته ، حلم الحقوق والعدل ، حلم الديمقراطية والحرية في بلدي وبين أهلي ، كنت أبكي عندما أتحصر علي بلادي المسلمة وأقارنها ببلاد لا دين لها ولكنهم مسلمين بلا إسلام كما قيل عنهم ، كنت كلما أواجه موقفا أري فيه قوة الحق والعدل في بلاد الفرنجة ، أحلم بيوم أري ذلك في بلادي المسلمة ، حلمت بأن يتربى أولادي علي ذلك وأن تحفظ حكومتهم حقوقهم ولكن الحلم كان يبدو بعيد المنال ، فقد رضي الشعب بالإستعباد ووجد كل منهم طريقه برشوة هذا ومعرفة ذاك واللي له ظهر ما يضربش علي بطنه كانت هذه هي إستراتيجية الحياة في مصر الحبيبة ، 

ولكن مع بوادر قضية خالد سعيد بدأ أمل جديد رأيت فيه حلمي الذي طالما بحثت عنه وحلمت به وكان أكثر ما تعلمت في تلك البلاد الأوروبية الجميلة أن تظل تبحث عن حلمك فإن وجدته فلا تتركه ، وهنا أعددت العدة وشددت الرحال وبدأت مرحلة جديدة في حياتي شاركت فيها في صنع حلم الحرية من داخل ميدان التحرير وكنت عنصرا جيدا ومؤثرا في الحراك الثوري ثم السياسي حتي وصل الحلم مداه فكانت أسعد لحظات حياتي هي لحظة تنحي المخلوع فكانت لحظة مولدي من جديد علي أرض مصر الحرة ، مصر ميدان التحرير ، مصر الشهداء والثورة ، 
وهنا تطور الحلم والحراك فشاركت بكل ما تعلمت وعرفت لصنع مصر الجديدة فشاركت في تكوين حزب ثوري سياسي ، ثم شاركت في تجربة الإنتخابات الرئاسية ، ثم شاركت الهيئة التنسيقية للقوي الوطنية بالإسكندرية حيث تُجَمعنٌا لنصرة الحق ووقفنا لدعم الدكتور مرسي ضد شفيق مرشح الفلول ، وكنت أول من أعلن النتائج المبدأية لنجاح الدكتور مرسي علي الفضائية المصرية فجر المؤتمر الصحفي الرسمي لحملته ، وتوالي العمل والجهد وأصبح جل حلمي أن أشارك في بناء بلدي الحرة الديمقراطية ، كنت حقيقة أشارك في تحقيق حلمي الذي طالما حلمت به ، كنت أسافر مزهوا بأني مصري وأسير علي أرض مصر بشعور بأني مسئول عن كل شئ ، عن عدم إلقاء القمامة أو كسر المرور أو دفع الرشوة أو نهب حقوق العمال ، أصبح محرك حياتي تلك الحرية التي تنفستها بعد إنتخاب أول رئيس مدني حر ، فكنت أقضي كل يومي في هذا العمل وكانت أسعد فترة في حياتي ، 

إتفقت كثيرا وإختلفت أحيانا مع الإخوان وإعترضت كثيرا علي إستراتيجية إدارة الدولة وتم تجاهلي في الكثير من الأحيان ولكن لم أغضب أبدا ولم أشعر بالمرارة فقد كان حلم الحرية ، حلمي وحلم كل مصري ، كنت صاحب الحلم وشريكا فيه ، كلنا نشارك في صنعه فالهدف واحد والبلد واحد ، كنت أنتقد الرئيس المنتخب علي كل القنوات وبكل حرية ، لم يعلق علي إحد ولم يلمني إنسان ، إنه ولاء الحرية والديمقراطية وحب الوطن ، ولاء لا يصنعه إلا وطن حر وبناء ديمقراطي ، 

ثم كانت الفاجعة ، عندما سرق هذا الحلم علي أظهر الدبابات وبأيدي جيش وطني وجنوده ، تجرعت مرارة لم أعرفها في حياتي مرارة الحزن علي جهل أهلي وشعبي وعلي إستغلال غياب وعيهم السياسي لسرقة مستقبلهم بأيدي مجموعة خانت العهد وإنقلبت علي إرادة الشعب ، وبدأ النضال من جديد في كل مكان ومحفل ، نضال لا أنتظر له نهاية ولا أستعجلها ، نضال من أجل أن يعود حلمي وحلم كل حر ، نضال تدفع فيه الدماء ثمنا من أجل حرية الأجيال القادمة ، نضال يعتقل فيه الشرفاء ويروع فيه الآمنين ، نضال الحق والحرية ، نضال يتم فيه الفرز والتمحيص ، فلم أعد أنظر خلفي لأبكي علي خائن أو خائف ، أو حاقد ، أو جاهل ، أو حتي صديق بلا وعي ، فالمرحلة خطيرة والأمر جد جلل ، فأنا أبحث عن حلمي الذي سرق من جديد ، حلمي وحلم أولادي ، ومن يعرف طعم الحرية يمت من أجلها ، 

الدكتور حسام الشاذلي هو المستشار السياسي والخبير الدولي في إدارة التغيير ورئيس المكتب السياسي للجبهة الدولية لتحرير مصر - إيفلي - ، والرئيس التنفيذي الحالي لمجموعة سي بي آي الدولية السويسرية العملاقة ، أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي بجامعة كامبيردج المؤسسية ومساعد العميد السابق للتخطيط الإستراتيجي والتنمية بكلية حائل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ، وكيل مؤسسي حزب ثوار التحرير ، وعضو المكتب التنفيذي للهيئة التنسيقية للقوي الوطنية ورئيس القسم المصري بالهيئة الدولية للمفوضيين والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية

Comments

Recent Articles

Economy and Elections in Turkey: The Invisible Hands by Hossam ElShazly

Messenger of Judgement Day _ رسول يوم القيامة _ الدكتور حسام الشاذلي

جيم أوفر - Game Over - بقلم الدكتور حسام الشاذلي المستشار السياسي والاقتصادي الدولي